الصفحة الرئيسية  رياضة

رياضة أين اختفت جرأة "الوديع" التي خطّ بها رسالة الغفران للغنوشي؟

نشر في  03 فيفري 2015  (20:55)

هل أن كرتنا خلت من أيّ اعوجاج ولا تضمّ سقما في سيرها؟ وهل أن كلّ هناتها تلخّصت في صفارة مشبوهة للحكم الموريسي سيشورن حتى نثور بمثل تلك الشاكلة التي جعلت الشارع الرياضي بتونس يغلي كالمرجل على ضربة جزاء ما كانت لتصفّر لو تعامل حمزة المثلوثي خلالها ببعض الدهاء المطلوب في ثنايا القارة السمراء؟ حقا نأمل تصديق ذلك مع أنه ضرب من ضروب العبث وأحلام اليقظة حتى لا نقول شيئا أخر في وقت ندرك فيه جميعا أنها تلك حدود الله وأن منتخبنا لا يقوى على غير تلك المحطة بدليل أنه عجز منذ أكثر من عقد من الزمن على نيل شرف الحضور في المربع الذهبي واستحال الى رقم ضعيف حتى مع المنتخبات الناشئة افريقيا ممّن عززت ترتيبها في الفيفا على حساب شرفنا الكروي..
منذ أكثر من اثنتين وسبعون ساعة لم ينقطع الحديث عن ضربة جزاء سيشورن التي منحها لخافيير بابلوا، كما التصق اسم عيسى حياتو بكلّ الجمل والكلمات التي نطقت أمرا مجانبا للصواب عقب مواجهة غينيا الاستوائية ولكأن كرتنا اعتادت سابقا نيل الهدايا من "قدّيس" كامروني..والحال أننا جميعا نعرف مسبقا حجم الكره الذي يكنّه لكرتنا..ومع ذلك لم نحتط لمؤامرات ودسائس "الكان"..لنكتفي لاحقا بخطّ معلقات من البكاء والنديب الكروي وقلنا كلاما أريد به باطل وهو التغطية عن حال كرة ضعيفة أصابها الوهن وتسرّب الخوف الى مفاصلها جامعة ومدربا ولاعبين..وكل الخشية أن تسري العدوى في نبرات المحللين وقراءات الصحفيين.
هذه حقيقة منتخبنا..ومن يعجز عن الاحتفاظ بأسبقيته ضد منتخب هزيل.. وهذا مصير من لا يقدر على دعم النتيجة مرارا وتكرارا على امتداد تسعين دقيقة ضد مجموعة بالكاد تمكّنت من الاعداد لل"كان" مع مدرب لم يزر أراضي غينيا الاستوائية سوى منذ أسبوعين للاشراف على منتخبها..لأجل كلّ ذلك لا يحق لمنتخبنا أن يمسح كل ذنوبه في قميص سيشورن والذي لا يحتمل مزيد الدنس.

استهتار بالطول والعرض

أول المذنبين في حق كرتنا والمنتخب الذي يحسب له في هذه المشاركة أنه وحّد صفوف التونسيين بعد سنوات التفرقة السياسية والانقسام أحزابا ومذاهب، أولهم هو المكتب الجامعي الذي لم يأت ما تمليه عليه واجباته وما تسمح به صلاحياته في ظل الصمت الجنائزي والذي زاده "الكاف" وجعا منذ قليل بغرامة ثقيلة ومطالبة بالاعتذار الرسمي التونسي، مع جماعة الجريء غاب الحرص على الاحاطة بليكنز زمن اختيار القائمة النهائية بالهاتف..وتفضيله قضاء أعياد 'النوال' و'الريفيون' في بلجيكيا على الالتصاق بمشاغل مجموعته..ومع ذلك منحته الجامعة "كارت بلانش" ولم نسمع شيئا عن المطالبة بالقدوم العاجل لتسوية ما اتسم من غموض في الاختيارات أو شيء من هذا القبيل...
وحتى لما تجرّأ البلجيكي على الاستهانة بتاريخنا الكروي بتصريحاته الممعنة في تأليه المنافسين وضرب معنويات اللاعبين التونسيين وكذلك الصحفيين..وهذه تغافلنا عنها نصرة للوطن وتغليبا للمصلحة الجماعية على حساب مسائل ذاتنية..ولكن هيهات، حيث لم ينبس أي من جماعة مكتبنا الموقّر ببنت شفة لردع مدرب سليل مدرسة تصنّف في الصفوف الخلفية كرويّا ولم تبن أمجادا تذكر عدا بعض النجاحات المنسوبة الى لاعبين مجنّسين من شتات المهاجرين..ومع ذلك فانه تجرّأ على تقزيم كرة القدم التونسية كيفما أراد..
صمت القبور امتدّ من جامعة المنزه والى حدود ايبيبيين وباتا، ورغم كل "الروائح الكريهة" التي صدرت عن البلد المنظم في الاقامة وأخطاء الحكام، فان ردّ المسؤولين كان خجولا ولكأنه يتعلّق بمنتخب بلد ثان غير تونس..وحتى الاحتجاج المرسل عقب اللقاءين الأولين كان سلبيا ولمجرّد الترضية وذرّ الرماد في العيون..والا ما كان حياتو و"زبانيته" يتجرّأون على ضرب حظوظنا أو حتى مجرّد التفكير في ذلك..بيد أن الافراط في السلبية من المسؤولين التونسيين جعل الفكرة تراوده للاقدام على ذلك...

عقد الأهداف وعقدة "بوبرطلة"

خرج منتخبنا من الدور الثاني وارتجّت طموحاتنا بصدمة مبكرة أنهت الحلم وأعادتنا الى واقعنا المرّ بأننا لسنا الا مجرّد رقم عادي بات "فسخه" في متناول أي كان بلعبة الكواليس وحتى رهان الأقدام، بيد أن الجامعة لم تظهر نوايا المحاسبة للمدرب اثر عجزه عن بلوغ المنشود...
هذه المرة لم نسمع كلاما من نوع تلبية عقد الأهداف وما شابهه من الشروط التي تفرضها البلدان المحترمة كرويا حتى على أكبر المدربين..فما بالك بليكنز الذي حكمت مطالبه المالية المعقولة بتنصيبه مدربا لمنتخب نسور قرطاج..
في حالات سابقة لم يتوان مسؤولونا عن محاسبة الفنّيين التونسيين على كل ثغرة حصلت، ولكن الأمر انقلب بمائة وثمانين درجة مع "'بوبرطلة" لننغمس في موجة بكاء جماعي قوامها مفردات المؤامرة والرشوة والظلم ونغفل عن لبّ الاشكال لاقامة محاسبة سريعة...
لم يتجرأ أي كان منا على القول ان "الكان" الذي توّجنا به مرّة وحيدة في حياتنا ساهم فيه الضغط الجماهيري وبروتوكولات التنظيم على بعض الحكام الذين أداروا مواجهاتنا، وتناسى الكثيرون ما صرّحوا به سابقا عن أن سيشورن يعدّ من أنزه الحكام في قارة يحكمها قانون الغاب..وتناسينا عمدا كيف حاول الجنوب افريقي دانيال بينيت دفعنا قسرا في مواجهة الطوغو خلال "الكان" الفارط الى الدور الثاني ومع ذلك عجزنا...ولهذا فاننا نعيش -وبمنتهى الوضوح- احدى أكبر حالات التحايل الكروي في تاريخنا للتغطية عن ضعف فنّي وعجز اداري وجبن تكتيكي من مدرب سرّب الخوف الى مفاصل لاعبيه باعتماده تكتيك الاسمنت المسلّح حتى ضد منتخبات الصف العاشر..ولو حملتنا الأقدار الى مواجهة غانا أو الكوت ديفوار لابتدع البلجيكي رسما دفاعيا عجز عنه أباطرة الكاتيناتشو..

الضغط والاستقالة

قال الشاعر العراقي الشهير مظفر النواب في احدى روائعه "وهل تسكت مغتصبة؟"، ولئن كانت الاستعارة لا تجوز في مثل الحال للردّ عما اقترفه سيشورن كأحد أسباب النكسة، الا أن الردّ الرسمي التونسي كان خجولا ومحتشما ليقتصر على استقالة الجريء من عضوية لجنة التنظيم في "الكان" في وقت انتظرنا منه ردّا حازما وشجاعا يشفي الغليل ويسد الباب مستقبلا أمام من تسوّل له نفسه التطاول على جدار الكرة التونسية..فقط أردنا أن نسأل الرجل المعني الأول بحال كرة القدم التونسية : "أين اختفت فصاحته التي خطّ بها "رسالة الغفران" الى راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة حين استاء من هرسلة طارق ذياب للجامعة حتى يقتدي بمثلها في حالة عيسى حياتو"؟

طارق العصادي